الأربعاء، 26 مايو 2010

التاليف الموسيقي و تاثير الموسيقى في العقل البشري

تأتي كلمة ( تأليف ) قريبة إلى ذهن القارئ لها من كلمة ( انسجام ) أو ( تناغم ) أو ( هارموني ) .. الخ
و بالتالي فإن مسألة التأليف الذهني هي مسألة انسجام بين عناصر الذهن كافة من ذاكرة حاضرة و ذاكرة طويلة الأمد و انتباه و تأمل و تركيز و كف .. الخ
يشبه دماغ الإنسان ” القيثارة ” أو ” الأرغن ” .. فالقيثارة تحوي عددا من الأوتار مربوط كل وتر فيها الى نقطتين ثابتتين .. و لكل وتر ثخن معين و طول معين و تواتر معين و بالتالي : نغمة معينة ..
و ما يحصل في القيثارة من انسجام يشبه الى حد بعيد ما يحصل في الدماغ البشري السليم من تآلف ذهني بين الأمور كافة .. أو من تشوش في حال غياب التآلف الذهني
لو نظرنا إلى العلامات الموسيقية نجد أن في الوجود سبعة علامات موسيقية يعرفها أكثركم و هي : دو – ري – مي – فا – صل – لا – سي
و لهذه العلامات السبعة درجات مختلفة حسب السلم الموسيقي .. فيمكن اشتقاق سلم جديد من سلم ” ري ” مثلا .. الخ
إن دماغ الإنسان يشبه في انسجام مكوناته أو عدم انسجامها تلك العلامات الموسيقية ..
و لكن الفرق كامن في أن مكونات الدماغ الانساني ليست دو و لا ري .. بل هي :
قشرة دماغية – دماغ متوسط – دماغ زاحف أو سفلي
و التناغم بين هذه الأوتار الدماغية إن صح التشبيه ” أشببها بأوتار القيثارة ” هو تناغم ينجم عنه السير الوظائفي السليم و التآلف الذهني العظيم في الدماغ الانساني مما ينجم عنه الأعمال الابداعية بتنوع أشكالها و اطيافها
و من هذا التشابه الكيفي بين الدماغ و الآلات الموسيقية من جهة و بين ما ينتجه الدماغ من فكر منسجم و ما تنتجه تلك الآلات من موسيقى منسجمة العناصر .. وجدت أن أقرب الأدمغة إلى الإنسجام في مكوناتها و عناصرها و نتائج تلك المكونات , هي أدمغة أقرب إلى الكمال الفكري و العقلي و الإدراكي الواسع ..
و على العكس تماماً .. يصح القول بأن الأدمغة المريضة أو المعطوبة التكوين الخالية من الإنسجام التكويني و النتائجي هي أدمغة لا تنسجم مع الموسيقى المتآلفة العناصر .. فليس غريباً أن يبتدئ أفلاطون جمهوريته بتهذيب الأفراد عن طريق الموسيقى كما ورد في محاورة الجمهورية الذائعة الصيت ..
فكيف تؤثر الموسيقى في النفس البشرية ؟ و كيف تجعل العقل أكثر انسجاماً ؟
لقد كتب الكثير من علماء النفس حول تأثير الموسيقى في النفس البشرية و اختلفت آراؤهم في هذا الخصوص من حيث
مدى التاثير و لكنهم اتفقوا جميعا في ان الموسيقى لها عظيم الاثر في النفس البشرية.. و ما طرحه هؤلاء الكتاب و العلماء
تناول في جل ما تناول التاثير الايجابي للموسيقى في النفس دون التعرض للكيفية الفيزيولوجية لذلك التاثير إلا ما ندر..
إن تاثير الموسيقى في النفس البشرية يتطلب أولا.. قابلية تلك النفس للتأثر بالموسيقى.. وهذا ايضا يتعلق بقابلة الفرد لفهم الموسيقى كموسيقى بشكل عام وعلى فهمه لهذا اللون بالذات من الموسيقى… فقد يتاثر العراقي بموسيقى العراق ولكنه لا يتاثر بموسيقى موزارت.. إن الموسيقى تعبر عن الواقع الذي يعيشه الانسان.. ومدى تاثر الانسان بهذه الموسيقى سلبا او إيجابا يتوقف على طريقة إدراكه للامور.. بعض الشخصيات رومانسية بطبعها و نلاحظ تاثرها البالغ بالموسيقى الهادئة.. في حين أن نفس الموسيقى.. تبدو من وجهة نظر شخص آخر.. نوعاً من القرقعة !! و سأشرح الآن تاثير الموسيقى إيجابا في النفس البشرية: بما ان الموسيقى تعبير عن الحضارة و بالتالي تعبير عن الواقع.. فهي تخاطب عقل الانسان.. والعقل الباطني حصريا (*).. مرورا بنافذة الشعور.. إن الموسيقى تتغلغل في نفس سامعها لتصل الى عقله الباطن.. وهنا تقوم بترتيب افكاره التي لا يشعر بها..بشكل معين بحيث تصبح أكثر اقترابا من الانسجام (**).. وبالتالي ينعكس هذا الانسجام
الداخلي في اللاشعور لدى الانسان على شكل راحة وشعور بأن حملا ثقيلا قد انزاح عن الصدر.. و في الحقيقة ان هذا الحمل هو تلك الافكار الغير منتظمة و التي قامت الموسيقى بتنظيمها.. و لناخذ مثلا: الموسيقى التي تعزف في الحرب عند قديم الشعوب.. لاحظوا الرتابة في تلك الموسيقى والتركيز على الآلات التي توضح الايقاع الثابت بشكل كبير.. من ناحية أخرى إذا نظرنا الى الامور من وجهة نظر علم النفس: إن النشاط العقلي و النفسي لدي الانسان قائم على توازن بين أمرين أساسيين في الجملة العصبية المركزية لدى الانسان: وهما الكف و التركيز.. ولاضرب مثالا يوضح المقصد: عند التركيز في قضية معينة فإن خلايا معينة من قشرة الدماغ تكون في حالة نشاط و هذا النشاط يتمحور حول تلك القضية و لتكن مسألة رياضيات مثلا أو مشكلة اجتماعية أو أي قضية تشغل الدماغ….. عند الاستمرار في التركيز فإن خلايا الدماغ تفرز مادة هدفها تثبيط النشاط و هذا يبدو جليا في حالة الشعور بالتعب والنعاس عند التركيز في موضوع معين بشكل مستمر و شديد جدا.. وهدف الدماغ من مسألة إيقاف النشاط هو منع الخلايا العصبية من التسمم.. أما الكف فهو عكس ذلك تماما.. الكف يعني إيقاف تركيز خلايا الدماغ بموضوع معين و هذا يعني مساحة شعور كبيرة.. فإذا استمر التركيز ببشكل مبالغ فيه فإن الدماغ يصبح في إحدى حالتين إما حالة هياج إفراط في التركيز أو حالة وهن إفراط في الكف.. الدماغ المثالي هو الذي يحصل فيه توازن بين الكف و التركيز.. التركيز في مسألة حتى غاية الاحساس بوجوب التوقف عن التركيز و هذا في حالة التعب.. وهنا يأتي دور الكف و هكذا.. والمهم في موضوعنا هنا هو بينا اثر الموسيقى في إعادة توازن النشاط الدماغي لحالته الطبيعية أو شبه الطبيعية.. عند سماع مقطوعة موسيقية فإنها تستدعي كل ما يمت لتلك النغمات بصلة من أحاسيس وذكريات و مشاعر كامنة في النفس.. وهذا يعني حصول كف في مناطق معية من الدماغ و حصول تركيز في المناطق التي تستدعي ذكريات أخرى.. أي حصول راحة في المناطق المكفوفة وجهد في المناطق التي استفزتها الموسيقى(***).. و عندها يشعر الانسان براحتين: راحة لاستدعاء الذكريات التي تكون في الغالب منسجمة مع الموسيقى و مريحة للنفس وإلا لغير المستمع المقطوعة وراحة أخرى في كف المناطق التي تعمل شاغلة الذهن و النفس معا. من هنا نلاحظ الدور الكبير الذي تلعبه الموسيقا في توزيع اعباء الدماغ على كافة خلايا الدماغ.. ولا يقتصر الامر على ذلك بل يتعداه الى كون الموسيقى تعيد ترتيب المعلومات التي لا تشكل بحد ذاتها معنى محدد وتجعل منها ذات معنى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق